الباوهاوس .. عندما تتمكن فكرة من تغيير العالم

____________________________________

الإهتمام بخلق نموذج جديد للتصميم يكون نقطة للتواصل ما بين الهندسة المعمارية، والفن، والتصميم الصناعي، والطباعة، وتصميم الغرافيك، والتصميم الداخلي … جعل والتر غروبيوس ( Walter Gropius ) ملهماً فى إنشاءه مدرسته المعروفة بإسم باوهاوس ( Bauhaus ) في ديساو ، بطراز جديد ناشئ , وبالنظر للعصر الذى بٌنى فيه ( 1925-1926) فقد أثر ذلك المبنى الفريد على مفهموم العمارة وغيرها إلى الأبد بشكل ثورى.

في البداية كانت المدرسة مقرها في مدينة فايمار ، ولكن تزايد الاستياء السياسي منها اضطرت معه لأن تنتقل إلى مدينة ديساو. فإستغل "غروبيوس" ذلك كفرصة لبناء المدرسة التي تعكس آماله في نوعية التعليم التى ستكون ضمن جدرانها. هذا الطراز الموجود بمرافق المدرسة يشير لما في أسلوب غروبيوس من طراز مستقبلى في عام 1914 ، وتبين أيضا أوجه التشابه بين طرازها والطراز الدولي ( Inte
ational style ) أكثر من علاقتها بطراز النيو-كلاسيك ( Neo-classic style ).
التنوع الوظيفى فى المساقط الأفقية للباوهاوس في ديساو تتضمن مساحات للتعليم وسكن للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وقاعة محاضرات ومكاتب، والتي تنصهر معا في تكوين شكل كمراوح الهواء عندما تراها من السماء، وهذا التخطيط مستوحى من شكل مراوح الطائرات، والتي كان يتم تصنيعها بتوسع في المناطق المحيطة بديساو.

بضعة أعوام قليلة عملت فيها هذه المدرسة … حتى أغلقها "أدولف هتلر" نفسه بعد توليه الحكم, فإن الفكر المتقدم الثورى وراء هذه المدرسة كان لديه من القوة التى أشعرت الفكر الشمولى السائد هذا الوقت بتهديد حقيقى, شدة تأثيره جعلته مسار حديث ونقاش كل العالم من شرقه وغربه وحصل على تغطية إعلامية لم يسبقها أحد من قبل, فالمدرسة تدعو للتغير بينما الفكر الحاكم أصولى يخشى التغيير, تدعو للحرية والإبداع, والتحرر من القيود التى لا طائل منها , فقط العنصر الحاكم للإبداع هو الوظيفة والإحتياج .. هو الإنسان.

كمعماري ممارس، كان غروبيوس مهتماً بتطوير الهيكل الإنشائى وتكنولوجية البناء أثناء تصميمه لهذه المدرسة الثورية للهندسة المعمارية. بعض هذه الأفكار التقدمية المختلفة الموجودة تشمل الزجاج بالنوافذ، والهيكل المكون من الخرسانة المسلحة والطوب ، الأسقف التى تشبه المشروم في الطابق السفلي ، والسقوف المغطاة بالأسفلت لتكون ممشى بعكس الأسقف المائلة الشائعة وقتها. المساحة الإجمالية لمبىنى الباوهاوس حوالى 10500 متر مربع تقريباً ، ومساحة المسطحات الإجمالية ما يقرب من 23300 متر مربع وبلغت التكلفة الإجمالية له نحو 900 ألف مارك ألمانى.

كانت أهميته الرمزية الكبيرة التى إكتسبها وزيوع صيته على المستوى المحلى والدولي من كونه قد أنشئ كمختبر تجريبي وللتصميم الصناعى التجارية منذ عام 1927 وأصبح داراً للهندسة المعمارية والتصميم الحضري على مستوى العالم.

وأراد والتر غروبيوس ليدمج الطلاب بمدرسة الباوهاوس ، فالديكور الداخلي للمبنى بالكامل تم تنفيذه من قبل ورشة الدهانات بالمدرسة، وتركيبات الإضاءة بواسطة ورشة المعادن ، وأسماء الفراغات بواسطة ورشة الطباعة. فى أثناء بناء الباوهاوس ، وضع غروبيوس بعناية أصل فكرته من أن المبنى هو "العمل الإجمالي" للهندسة المعمارية المتراكبة.

وأصبحت النوافذ الستائرية الضخمة فى واجهة مبنى ورشة العمل جزءا لا يتجزأ من تصميم المبنى. أراد منها خلق شفافية ، جعلت الشمس تمر عبر هذه النوافذ الواسعة لتملئ أشعتها أرجاء المكان طوال اليوم ، على الرغم من أنها خلقت تأثير سلبي في أيام الصيف الدافئة. وللحفاظ على الحوائط الستائرية تلك تمت وضعها للأمام وإرجاع الأعمدة الإنشائية عن الجدران الرئيسية لتخلق عزل فراغى وظل أكبر.

لعل البعض قد يشعربإن هذا المبنى ليس بهذا القدر من الجمال … لكنه لا ينظر إلى الوقت الذى بنى فيه هذا المبنى .. كيف كان ثورى وتقدمى ويكسر كل الأعراف والمعتاد فى عالم العمارة, عمل تناقله وأقتبس منه كل المعماريين من مشارق الأرض ومغاربها , ينقلون أفكاره ورؤيته للحداثة, ولكن هو لم ينقل من أحد … إنما أبدع ,وكان له وجهة ونظر ومبدأ وقضية … فإستطاع تغيير شكل العمارة فى العالم كله